نوح الليالي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أسرار الصيام الباطنية ... الحلقة الثالثة

اذهب الى الأسفل

أسرار الصيام الباطنية ... الحلقة الثالثة Empty أسرار الصيام الباطنية ... الحلقة الثالثة

مُساهمة من طرف محب الرسول الثلاثاء أكتوبر 09, 2007 10:21 am

أسرار الصيام الباطنية ... الحلقة الثالثة Besm4

حرمة الم}من:
إن الروايات الصادرة عن المعصومين عليهم السلام تشدد كثيراً في مسالة خطورة إسقاط المؤمن عن أعين الناس.. ويا له من عقاب أليم عندما يهدد الإمام الصادق عليه السلام قائلاً : " أخرجه الله من ولايته، إلى ولاية الشيطان، ثم لا يقبله الشيطان !! ".. وكم حقير من لم يقبله حتى الشيطان نصيراً له !!

أسرار الصيام الباطنية ... الحلقة الثالثة Hit

لازلنا نلتمس بعض أسرار الصيام.. ومن المعلوم أن هذا الحديث نافع لطوال أشهر السنة، لأننا نلاحظ بأن الصيام من المندوبات التي ورد عليها الحث طوال العام، كصيام أول خميس من الشهر، وآخر خميس من الشهر، وأول أربعاء في الوسط؛ فهذه الأيام تعادل صوم الدهر، وكذلك من المستحب صيام شهر رجب وشهر شعبان.. فليس حديثنا عن صوم شهر رمضان، وإنما عن مطلق الصيام، في أي وقت كان، فإنه من أعظم القربات إلى الله عز وجل.. ومن هنا نلاحظ أنه في السنة هناك يومان منعنا فيه من الصيام وهما : يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأما باقي الأيام فبإمكان الإنسان أن يصومه شرعاً.

ولهذا فالبحث عن أسرار الصيام من الأبحاث النافعة.. وحقيقة الإنسان إذا داوم على الصيام في الأيام المندوبة، على الأقل فإنه سيعيش حالة من حالات الارتباط بملكوت الصيام.. وفائدة ذلك - أي أن الإحساس بالملكوت وبالنور وبالنفحات : أنه يذهب شيئاً من تعب الصيام، وخاصة في أيام الحر الشديد.. ألم يقل القائل : إن لذة الخطاب ذهبت بالعناء ؟!.. المؤمن عندما يخاطبه المولى ويطلب منه أمراً، فإن هذا الطلب يذهب الألم، كذلك الأمر بالنسبة للصيام.

إن تروك الصوم كتروك الإحرام، فقسم منه لا نفقه له فلسفة، ومهما حاولنا أن نفلسف لا نعلم وجهاً لذلك، إلا إذا جاء الأمر أو التوضيح من المرتبطين بالوحي، وهم النبي وآله عليهم أفضل الصلاة والسلام.. كالارتماس في الماء، لا نعلم بشكل واضح ما هي الحكمة.. والاحتقان بالمائع مثلاً، وإدخال الغبار الغليظ... فهذه الأمور ليست من الأمور الواضحة والشرعية.. أي أن التروك فيها مزيج من التعبد والتعقل.. كما نلاحظ في تروك الإحرام، فقسم من هذه التروك قد نعلم فلسفتها : كترك المخيط، ولبس الإحرام؛ وهو للتساوي في الزي مثلاً.. أما بعض الأمور لا نعلم لها وجهاً، ومن هنا يأتي دور التعبد، والامتثال التلقائي، من دون طلب دليل، ليعكس حالة العبودية لله رب العالمين.

ولهذا المؤمن لا يكلف نفسه أمرين :
الأول : الثواب.. فإنه لا يعمل العمل، بانتظار أن يعلم ما هو الأجر.. وكذلك فلسفة الأحكام.. هو يعمل، وإذا عرف الفلسفة فأنعم به وأكرم، وإذا لم يعلم الفلسفة فقد قام بوظيفته.. وكذلك الثواب.. البعض يحبذ عندما تأتيه الرواية ويذكر ثوابًا على زيارة الحسين عليه السلام مثلاً في النصف من شعبان، أن يتعمد أن لا يقرأ الأجر، لئلا يعيش حالة الشرك في النية، وطلب الأجور، فتكون عبادته عبادة العبيد.

من الملاحظ في تروك الصيام أن هنالك دعوة للسيطرة على الغرائز في شهر رمضان، سواء الغريزة المحرمة كالاستمناء مثلاً، أو الغريزة المباحة كمعاشرة النساء.. هناك تعبير جميل عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصفه لأحد المتقين -ونلاحظ أن هذا التعبير ينسجم مع فلسفة الصيام - مضمونه : أنه كان خارجاً عن سلطان بطنه وفرجه.. يا لها من عبارة جميلة !.. كأنه للفرج وللبطن سلطان على الإنسان !.. إذ من المعلوم أن الشهوة إذا فارت واشتعلت وتفاعلت، صاحبها يفقد السيطرة، ومن هنا فإنه في بدايات الأمر يمكن السيطرة على الشهوات، ولكن عند فوران الشهوة، فإن العقل يغيب، والبدن يستسلم.. ولهذا نلاحظ أصحاب الشهوات المحرمة فمع يقينه بالجزاء الدنيوي قبل الأخروي، يقدم على الشهوة، لأنه لا خيار له، ولا سيطرة له.

ومن هنا يأتي الإسلام ليعود الإنسان على الخروج عن سلطان البطن والفرج المحللين.. ففي موسم الحج من تروك الإحرام : النساء.. وفي شهر رمضان في النهار من التروك : الارتباط بالنساء بالمعنى المعهود.. كل ذلك لأجل أن يثبت الإنسان قدرته على أن يقول : لا، أمام كل شهوة.. فإذا هو أمام الشهوة المحللة في الأصل، يقول كلمة : لا، فكيف بالشهوات المحرمة ؟!..

إذن، منع الصائم من هذه الشهوات، وكذلك الإنسان المحرم، لعل من فلسفة ذلك هي السيطرة على هذه الغريزة.. وحقيقة الاشتغال بالشهوات حتى المحللة، بمعنى الإفراط؛ مما ينزل بالإنسان إلى مستوى البهائم.. هنالك قوم همهم هو شهوة البطن والفرج، كالدابة المرسلة همها علفها، وشغلها تقممها.. ومن المعلوم بأن الدواب لهم شهوتان غالبتان : شهوة التكاثر، وشهوة الطعام.. هاتان سمتان بارزتان في البهائم، ولا تتورع عن ذلك.. يعني البهيمة بشكل عام تمارس شهوتها، وتأكل طعامها، من دون حساب، ومن دون أي خجل من باقي الحيوانات، إلا بعض ما ينقل عن بعض البهائم التي قد تستحي..

ولكن بشكل عام السياسة العامة للمؤمن، هي السيطرة على شهوتي البطن والفرج.. ولهذا نلاحظ أن الشريعة جعلت آداباً وقيوداً وأذكاراً، في مواطن عديدة : كليلة الزفاف، وساعة الطعام، وقبل الطعام، وبعد الطعام.. وألزمت الإنسان بالغسل الواجب، ومن المعلوم أن الغسل عملية عبادية : فيها عبادة، وفيها توجه، وفيها خلع للثياب، وفيها استحمام، وفيها تذكر لحالة المغتسل.. الإنسان الذي يغتسل غسل الجنابة مثلاً، إذا به ينتقل من عالم الإنس والتلذذ البهيمي، إلى تذكر معالم الموت في الحمام.. هو كان في ليلة زفافه، وعلى فراش الزفاف، فينقله إلى عالم الاحتضار، وإلى عالم - كما قلنا - الخروج من القبور بلا لباس، وخاصة إذا كان الإنسان يستحم بالماء الحار، أيضاً يتذكر شيئاً من حميم نار جهنم.. فإذن، هذه من المميزات التي نلاحظها في شهر رمضان المبارك..

كذلك من التروك في شهر رمضان : الاستمناء، والكذب على الله ورسوله.. وهي من التروك المحرمة دائماً في الأصل، ولكن يأتي عليها التأكيد في شهر رمضان، وباقي الأمور مباحة الأصل..

وعليه، هناك أيضاً تأكيد على أن الإسلام يعود الإنسان الصائم، على التثبت في القول، وعلى تصفية العقيدة، وأن لا يتقول على الله عز وجل.. فإذا أراد أن ينقل حديثاً عن الله عز وجل وعن الأئمة عليهم السلام، فإنه يتأكد من صحة النقل.. كما نلاحظ عند بعض المتورعين من المتفقهين أنه يحتاط في ذكر المصدر أثناء شهر رمضان، زيادة في الحيطة والحذر.. يقول هذا الحديث رواه فلان، في الكتاب الفلاني على ذمته.. وأنا صائم، لا أقول : قال الله كذا، في حديث قدسي؛ لا أقول : قال الإمام كذا؛ وإنما رواه فلان في كتابه.. إذن، هذا أيضاً عملية من عمليات التربية على التثبت في نقل مفاهيم الشريعة، وعدم التقول في هذا المجال.

كذلك إن الصيام هو دخول على رب العالمين.. إننا نلاحظ أن الإنسان المصلي لا يجوز له أن يصلي، وهو محتلم، وهو مجنب.. هناك حدث أكبر وهناك حدث أصغر، على المصلي أن يكون متطهراً منهما.. وكذلك في الصيام.. إذا أراد الإنسان أن يدخل بحر الصيام، فإن عليه أن لا يدخل مجنباً.. فإن آذان الفجر بمثابة تكبيرة الإحرام في الصلاة، وبمثابة الميقات في موسم الحج والعمرة، أي عند الفجر يدخل الصائم حرم الله عز وجل.. ومن هنا فإن كان مجنباً، فليبادر للغسل، لئلا يسمى من الذين تعمدوا البقاء على الجنابة عند الفجر.

ولهذا فإن ساعة الفجر في شهر رمضان ساعة متميزة.. ومن المناسب أن يقف الإنسان هنيئة في ساعة الفجر، بعد إتمام نافلة الليل، ونافلة الفجر، والاستعداد لصلاة الصبح.. قال تعالى : { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا }.. أي أن هذا الوقت وقت مشهود؛ لاقتران ملائكة الليل مع ملائكة النهار.. ملائكة تهبط، وملائكة تعرج.. إذن، قلنا : أن الفجر كالميقات، وأن الفجر كتكبيرة الإحرام.

وعليه أيضاً، نلاحظ هذه الحالة المقدسة : إن الصائم نهي عن دخول اليوم المبارك إذا كان مجنباً، ولكن لننظر إلى تيسير الشريعة.. نلاحظ بأنه الشريعة رغم أنها صارمة في هذه الحدود، ولكن مع ذلك يقول : الإنسان إذا نام سهواً، أو إذا نام وهو ناوٍ للقيام للاغتسال؛ فلا شيء عليه.. وفرقوا بين النومة الأولى، والثانية، وغير ذلك.. إذن، هناك صرامة مع إعذار.. وكذلك الإنسان الذي يأكل ويشرب ساهياً، فإنه يقبل صومه..

كذلك في الحياة العملية ليكن الإنسان صارماً، ليجعل لعائلته ولجوه العملي والوظيفي والاجتماعي قوانين صارمة، ولا يتساهل في الحلال والحرام، ولكن مع الإعذار.. طالما يرتكب أحدهم خطأ فادحاً جسيماً مكلفاً، ولكن يقول كنت ساهياً، ليس عن تعمد، لم أكن أعلم ذلك، وإذا بالإنسان لا يعذره !.. كيف رب العالمين يعذرك في مثل هذه الأمور، وأنت لا تعذر الإنسان إذا كان ساهياً ؟!.. الإسلام جعل لك مجالاً للتعويض، قال هنالك كفارة إن كنت متعمداً، وهناك قضاء للصيام إن لم تكن متعمداً..

إذن، دائماً في التعامل الاجتماعي ليحاول الإنسان أن يعطي الفرص لمن حوله للتعويض.. وإلا إذا لم يجعل الأمر كذلك، فقد سد باب الهدى.. إن قال هذا ولا غير، لا سهواً، ولا اضطراراً، ولا إلجاءً، ولا نسياناً، ولا إكراهاً، لست معذوراً في شيء؛ فمعنى ذلك أنه يزج الناس زجاً للبقاء على المنكر أبداً.. دائماً ليعذر الإنسان أخيه، وليجعل له عذر، بل ليجعل لأخيه سبعين محملاً من المحامل التي ترفع عنه التكليف.. وهذه دورة تربوية لنا جميعاً : في أن نكون في المجتمع بهذه النفسية، وبهذه الروحية العالية؛ تأسياً بأحكام الله عز وجل.
نسأل الله عز وجل أن يرينا ملكوت عباداته : من صومه، وصلاته، وحجه؛ إنه على كل شيء قدير !
الشيخ حبيب الكاظمي
محب الرسول
محب الرسول
مشرف عام

ذكر عدد الرسائل : 117
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 16/09/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى